مؤشر التنمية البشرية (HDI) هو مؤشر رئيسي يستخدم لقياس التنمية الشاملة للبلد. ويأخذ هذا المؤشر في الاعتبار ثلاثة أبعاد أساسية: الصحة ، التي تقاس بمتوسط ​​العمر المتوقع عند الولادة، والتعليم ، الذي يتم تقييمه حسب معدل الالتحاق بالمدارس ومستوى التعليم، ومستوى المعيشة ، على أساس الدخل القومي الإجمالي للفرد. لبنان، البلد الواقع على مفترق طرق العديد من الحضارات والثقافات، لديه مؤشر التنمية البشرية الذي يصنفه من بين الدول ذات التنمية البشرية العالية ، لكن هذا المركز يخفي تحديات كبيرة.
تطور مؤشر التنمية البشرية في لبنان
لطالما اعتبر لبنان رائداً إقليمياً في مجال التنمية البشرية، ولا سيما بفضل نظامه التعليمي المتقدم، والرعاية الصحية المتطورة نسبياً، وقطاعه الاقتصادي الديناميكي، الذي يعتمد إلى حد كبير على الخدمات والاستثمارات الأجنبية. إلا أن البلاد شهدت في السنوات الأخيرة العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية التي أثرت على مؤشرات التنمية البشرية فيها.
ورغم أن مؤشر التنمية البشرية في لبنان لا يزال مرتفعا مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، فقد انخفض بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي هزت البلاد في السنوات الأخيرة. أدت الحرب الأهلية (1975-1990)، والتوترات السياسية الداخلية، والتدفق الهائل للاجئين السوريين منذ عام 2011، ومؤخراً، الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في عام 2019، إلى تقويض التقدم المحرز في مجالات التعليم والصحة والرفاه العام.
1. التعليم في لبنان
لقد تم الاعتراف بلبنان تقليدياً بجودة نظامه التعليمي. يوجد في البلاد العديد من مؤسسات التعليم العالي المشهورة عالميًا، مثل الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB) وجامعة القديس يوسف (USJ). معدل معرفة القراءة والكتابة مرتفع للغاية، حيث يتجاوز 90٪ بين السكان البالغين. تتمتع الفتيات أيضًا بفرص أفضل للحصول على التعليم مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى في المنطقة.
ومع ذلك، تعرض قطاع التعليم لضغوط، لا سيما بسبب تدفق اللاجئين السوريين، مما أدى إلى زيادة العبء على المدارس العامة. بالإضافة إلى ذلك، أثرت الأزمة الاقتصادية على قدرة الأسر على دفع الرسوم المدرسية، واضطرت العديد من المدارس الخاصة إلى إغلاق أبوابها. وتتسم عدم المساواة في الوصول إلى التعليم أيضًا بالاختلافات بين المناطق الحضرية (مثل بيروت) والمناطق الريفية، حيث البنى التحتية التعليمية أقل تطورًا.
2. الصحة في لبنان
يتمتع لبنان بقطاع صحي متقدم نسبياً بالنسبة للمنطقة، مع تغطية صحية توفر مستوى جيد من الرعاية، خاصة في المدن الكبيرة. متوسط ​​العمر المتوقع مرتفع، حوالي 80 عامًا، مما يعكس جودة الرعاية الطبية في البلاد.
ومع ذلك، يواجه النظام الصحي اللبناني تحديات كبيرة. وقد تم وضع البنية التحتية الصحية على المحك، خاصة بسبب الأزمة الاقتصادية وتدفق اللاجئين. بالإضافة إلى ذلك، أثر الفساد ونقص التمويل العام على جودة الرعاية في بعض المناطق، مما يجعل الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة غير متكافئ وفقًا للمنطقة والطبقة الاجتماعية.
3. مستوى المعيشة والاقتصاد في لبنان
شهد لبنان فترات من الازدهار الاقتصادي بفضل قطاعاته المصرفية والسياحية والتجارية. ومع ذلك، مرت البلاد في السنوات الأخيرة بأزمة اقتصادية خطيرة، تميزت بالانخفاض السريع في قيمة الليرة اللبنانية، والتضخم المتسارع، والانفجار المدمر الذي شهدته بيروت في أغسطس 2020. وقد أثرت هذه الأحداث بشكل كبير على مستوى معيشة الشعب. اللبنانيون الذين شهدوا تراجعاً في قدرتهم الشرائية، ووقع عدد كبير من الناس في براثن الفقر.
كما أدت الأزمة إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية والإقليمية. وفي حين تتمتع العاصمة بيروت وغيرها من المدن الكبرى ببنية تحتية وخدمات أفضل، فإن المناطق الريفية تعاني أكثر من نقص الفرص الاقتصادية ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية.
4. التحديات الاجتماعية والسياسية
يواجه لبنان تحديات سياسية كبيرة، حيث يتسم الحكم بعدم الاستقرار المزمن والفساد وأزمة ثقة واسعة النطاق بين المواطنين وقادتهم. وقد أعاقت هذه المشاكل تنفيذ الإصلاحات الضرورية في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم والصحة والبنية التحتية.
تواجه البلاد أيضًا تحديات تتعلق باللاجئين السوريين ، الذين يشكلون حوالي ربع السكان اللبنانيين، مما يضع ضغوطًا هائلة على الموارد العامة والخدمات الاجتماعية.
خاتمة
لبنان بلد لا يزال مؤشر التنمية البشرية فيه مرتفعا نسبيا بالمقارنة بالمنطقة، لكن الوضع الحالي يظهر علامات تراجع مثيرة للقلق. لقد كان للأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخيرة آثار مدمرة على الظروف المعيشية للسكان، ويجب على البلاد التغلب على هذه التحديات للحفاظ على مكانتها كدولة ذات تنمية بشرية عالية . وستكون الإصلاحات الهيكلية والعودة إلى الاستقرار السياسي أمراً حاسماً لتحسين مؤشر التنمية البشرية في لبنان في السنوات المقبلة.